سورة الشعراء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{فَكُبْكِبُواْ} أنكسوا أو طرح بعضهم على بعض {فِيهَا} في الجحيم {هُمْ} أي الآلهة {والغاوون} وعبدتهم الذين برزت لهم. والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة إثر مرة حتى يستقر في قعرها نعوذ بالله منها {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} شياطينه أو متبعوه من عصاة الإنس والجن {قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} يجوز أن ينطق الله الأصنام حتى يصح التقاول والتخاصم، ويجوز أن يجري ذلك بين العصاة والشياطين {تالله إِن كُنَّا لَفِى ضلال مُّبِينٍ إِذْ نُسَوّيكُمْ} نعدلكم أيها الأصنام {بِرَبّ العالمين} في العبادة {وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ المجرمون} أي رؤساؤهم الذين أضلوهم أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك.
{فَمَا لَنَا مِن شافعين} كما للمؤمنين من الأنبياء والأولياء والملائكة {وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} كما نرى لهم أصدقاء إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادي: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] أو {فَمَا لَنَا مِن شافعين وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100] من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس. والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذي يهمه ما يهمك، أو من الحامّة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص. وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة، وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك فقليل. وسئل حكيم عن الصديق فقال: اسم لا معنى له. وجاز أن يراد بالصديق الجمع.


{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} وجواب (لو) محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت، أو لو في مثل هذا بمعنى التمني كأنه قيل: فليت لنا كرة. لما بين معنى (لو) و(ليت) من التلاقي {إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيما ذكر من الأنباء {لآيَةً} أي لعبرة لمن اعتبر {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} فيه أن فريقاً منهم آمنوا {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} المنتقم ممن كذب إبراهيم بنار الجحيم {الرحيم} المسلم كل ذي قلب سليم إلى جنة النعيم.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} القوم يذكر ويؤنث. قيل: ولد نوح في زمن آدم عليه السلام ونظير قوله المرسلين والمراد نوح عليه السلام قولك (فلان يركب الدواب ويلبس البرود) وماله إلا دابة أو برد، أو كانوا ينكرون بعث الرسل أصلاً فلذا جمع، أو لأن من كذب واحداً منهم فقد كذب الكل لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل وكذا جميع ما في هذه السورة {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نسباً لا ديناً {نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} خالق الأنام فتتركوا عبادة الأصنام {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} كان مشهوراً بالأمانة فيهم كمحمد عليه الصلاة والسلام في قريش.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الحق {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} على هذا الأمر {مِنْ أَجْرٍ} جزاء {إِنْ أَجْرِىَ} بالفتح مدني وشامي وأبو عمرو وحفص {إِلاَّ على رَبّ العالمين} فلذلك أريده {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} كرره ليقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحد منهما بعلة، فعلة الأول كونه أميناً فيهما بينهم، وعلة الثاني حسم طمعه منهم كأنه قال: إذا عرفتم رسالتي وأمانتي فاتقوا الله، ثم إذا عرفتم احترازي من الأجر فاتقوا الله.


{قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك} الواو للحال و(قد) مضمرة بعدها دليله قراءة يعقوب {وأتباعك} جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال {الأرذلون} السّفلة والرذالة الخسة والدناءة. وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا. وقيل: كانوا من أهل الصناعات الدنيئة والصناعة لا تزري بالديانة فالغنى غنى الدين والنسب نسب التقوى، ولا يجوز أن يسمى المؤمن رذلاً وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسباً وما زالت أتباع الأنبياء كذلك {قَالَ وَمَا عِلْمِى} وأي شيء أعلم {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الصناعات إنما أطلب منهم الايمان. وقيل: إنهم طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم وقالوا: إن الذين آمنوا بك ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال: ما علي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى لَوْ تَشْعُرُونَ} أن الله يحاسبهم على ما في قلوبهم {وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} أي ليس من شأني أن أتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعاً في إيمانكم {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ما علي إلا أن أنذركم إنذاراً بيناً بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم {قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا نُوحُ} عما تقول: {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} من المقتولين بالحجارة {قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ} ليس هذا إخباراً بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد أنهم كذبوني في وحيك ورسالتك.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9